بعد التعافي .. هل تشهد الصين موجة ثانية من "فيروس كورونا"؟

Is-China-experiencing-a-second-wave-of-corona

بعد أن شهدت انخفاضا في أعداد المصابين بكورونا خلال الأيام الماضية، تواجه الصين موجة ارتدادية صاعدة لتفشي وباء "كوفيد 19"، عقب فترة قصيرة من تمكنها من السيطرة على انتشاره وعدم تسجيل إصابات لأيام متتالية.

ومع عودة الحياة إلى طبيعتها، ظهرت الإصابات من جديد في الصين بسبب عدم وجود لقاح للفيروس، وهو ما يثير قلقاً دولياً لدى العلماء والباحثين ومنظمة الصحة العالمية.

مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة سلط الضوء على إمكانية وقوع ارتدادات محتملة لوباء كورونا في الصين، من خلال ورقة بحثية تحت عنوان: هل تشهد الصين موجة ثانية من فيروس كورونا؟.

عودة حالات الإصابة

أشار المركز البحثي إلى وجود انقسام في صفوف العلماء والخبراء في علم الفيروسات والأوبئة إلى فريقين منذ لجوء الصين إلى العزل والغلق لاحتواء الفيروس، إذ أشاد الفريق الأول بجهود الصين، وأكد أنه نهج ناجح بدليل أنه أدى إلى انخفاض شديد في عدد المصابين. وعلى رأس مؤيدي هذا النهج منظمة الصحة العالمية التي أثنت على جهود الصين، ووصفتها بالجهود الجريئة لمحاصرة المرض، بل أضاف تقرير للمنظمة أن الصين اتّبعت أكثر الإجراءات نجاحًا لمحاصرة الفيروسات في التاريخ.

في المقابل، أكد فريق آخر أن هذا النهج ليس سوى حل مؤقت للأزمة، وأن الغلق التام لكي يظل فعّالًا لا بد من الحفاظ عليه وعدم تخفيف إجراءاته إلا بعد التوصل إلى مصلٍ للفيروس؛ لذا تنبأ الفريق الثاني بعودة ظهور الفيروس، وارتفاع حالات الإصابة حالما تبدأ الصين في تخفيف إجراءات العزل والغلق..ففي 10 فبراير 2020، عندما بدأ فريق البعثة المشتركة من منظمة الصحة العالمية والصين عمله، أبلغت الصين عن 2478 حالة جديدة، ولكن بعد أسبوعين وعندما كان الخبراء الأجانب على وشك المغادرة، انخفض هذا العدد إلى 409 حالات، واستمرت الحالات في الانخفاض مع استمرار حالة الغلق التام للبلاد .

لكن بعد 5 أيام متتالية من عدم تسجيل "ووهان" أي إصابات جديدة، يضيف مركز المستقبل، تم الكشف في 23 مارس 2020 عن إصابة طبيب في مستشفى هوبي الشعبية بالمرض. وفي السياق ذاته، أعلنت مفوضية الصحة الوطنية في الصين يوم 24 مارس اكتشاف 78 حالة جديدة، بينهم 74 حالة قادمة من الخارج، و7 حالات وفاة جديدة. كما شهدت أيام أخرى، مثل يوم 29 مارس 2020، تسجيل أرقام مرتفعة، إذ بلغ عدد الإصابات ما يُقدّر بحوالي 45 حالة.

ويرى المصدر ذاته أن ظهور حالات جديدة في الصين تزامن مع البدء في تخفيف إجراءات الغلق التام، إذ تم فتح المطارات واستقبال مزيد من الأجانب والمواطنين الصينيين العائدين من الخارج، كما قامت الصين بفتح المزارات السياحية في مقاطعة "هوبي" للمواطنين، مع السماح لسكان المقاطعة -باستثناء ووهان- بالتنقل إلى المقاطعات الأخرى والسفر طالما كان لديهم رمز صحي باللون الأخضر، وهو ما يعني أنهم لم يكونوا في مكان يتسم بشدة تفشي الفيروس.

كما أنه من المزمع أن تقوم الصين برفع حظر التنقل والسفر إلى مدينة ووهان في 8 أبريل 2020؛ فضلًا عن أن الحكومة الصينية صرحت في 12 مارس بأنها تتوقع أن تعمل البلاد بكامل طاقتها بحلول يونيو المقبل. ومن الجدير بالذكر أنه حتى الآن عاد 65% تقريبًا من الأشخاص إلى أعمالهم، بالإضافة إلى أن الصين قامت في 25 مارس بإعلان التصريح بخروج 74 ألف متعافٍ من فيروس كورونا من المستشفيات. إذن، فتخفيف إجراءات الغلق والعزل كان السبب الرئيسي في عودة ظهور الحالات في الصين، خاصة أن النسبة الأكبر من الحالات المكتشفة حديثًا هي لحالات قادمة من الخارج.

ويرى بعضُ الخبراء أنه ربما كان يتعين على الصين أن تبدأ بالتخفيف التدريجي لإجراءات الغلق التام، وذلك لاستحالة استمرار الغلق والعزل لفترة أطول من ذلك، إذ إن تكلفة الاستمرار في الغلق ستكون كارثية بالنسبة للاقتصاد الصيني؛ فطبقًا للإحصائيات التي أصدرها المكتب الوطني الصيني للإحصائيات فإن الاقتصاد الصيني خلال شهري الغلق الكامل "يناير وفبراير" شهد أكبر نسبة تباطؤ له منذ عام 1998، وارتفع معدل البطالة ليصل إلى 6%.

سيناريوهات الموجة الثانية

يبرز مركز الأبحاث أن جانبا من المحللين يرون أن الصين لم تسيطر على الفيروس بشكل كامل، وأن زيارة الرئيس الصيني إلى ووهان، وكذلك الاحتفال بالقضاء على الفيروس؛ ما هي إلا محاولة لتحسين الصورة الدولية لبكين، التي تضررت منذ ظهور فيروس كورونا. وما يؤكد ذلك هو تصريح الدكتورة "لي لانجوان" التي قادت أحد الفرق الطبية لمكافحة الفيروس في ووهان، وأشارت إلى أن مهمتها هناك لم تنتهِ بعد، وأنه مازال عدد من المرضى في حالة حرجة؛ كما أشارت إلى أنه من الممكن أن يؤدي فتح الحدود الصينية مع البلدان الأخرى إلى موجة ثانية من انتشار الفيروس في الصين. وفي هذا الإطار، يمكن الإِشارة إلى سيناريوهين محتملين، وفق المصدر البحثي..

1- تفشٍّ واسع النطاق: ويمكن رصد ثلاثة مؤشرات تُعزز إمكانية حدوث هذا السيناريو، يتمثل أولها في بدء ظهور حالات جديدة قادمة من الخارج فور بدء الصين في تخفيف إجراءات العزل والغلق، وهو نفس ما حدث في هونج كونج، التي اتخذت تقريبًا نفس الإجراءات التي اتّبعتها الصين من الغلق والعزل وتعليق الدراسة وحركة الطيران ومراعاة التباعد الاجتماعي بين الأفراد (Social distancing)، ولكن ما إن شرعت في استئناف الدراسة وحركة التنقلات حتى بدأت تظهر فيها حالات جديدة، حيث تم الإعلان في 23 مارس عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بمقدار 225 في 10 أيام فقط، ليصل إجمالي عدد الحالات إلى 357 حالة، ما اضطر هونج كونج إلى تشديد إجراءاتها مرة أخرى بمنع جميع السائحين من دخول المدينة، بما في ذلك المسافرون "ترانزيت"، وذلك بداية من يوم 25 مارس.

ويتمثّل المؤشر الثاني في الدراسة التي أجراها أحد مستشفيات مدينة ووهان، لتوضح أن 3-14% من المتعافين من الفيروس يصابون به مرة أخرى، ولكن بدون أن تظهر عليهم أي أعراض، ويطلق عليهم "Silent Carrier". وفي السياق ذاته، صرح "وانج وي" -مدير مستشفى "تونججي" al في مدينة ووهان- لقناة CCTV بأن 5 من بين 147 متعافيًا يُصيبهم الفيروس مرة أخرى، ولكنه أشار إلى أنه لا توجد حتى الآن دلائل تفيد بأن المصابين بالفيروس للمرة الثانية يمكنهم نقل العدوى إلى غيرهم.

وتعزز هذا السيناريو أيضًا بعض الوقائع التاريخية، مثل وباء الأنفلونزا الذي انتشر عامي 1889 و1918 وجاء انتشاره على 3 موجات، وكانت كل موجة أقوى من التي تسبقها نتيجة تحور الفيروس، لذا يرى مؤيدو هذا السيناريو أن هذا قد يحدث أيضًا مع فيروس كورونا، وأنه بالتأكيد ستكون له موجة ثانية أكثر شراسة من الموجة الأولى، خاصة إذا استطاع الفيروس التحور، ما سيصعب إمكانية السيطرة عليه، ويؤدي إلى انتشاره بشكل أكبر.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور "سيمون كلارك"، الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة الخلوي في جامعة ريدينج البريطانية، بأنه لا مناص من حدوث موجة ثانية من الإصابات، فحتى لو تمكنت البلدان من إبطاء وتيرة انتشار الفيروس، إلا أنها لن تتمكن بشكل كامل من منع ما يسميه استيراد الفيروس من القادمين من الخارج، وذلك نتيجة أننا نعيش في عالم مترابط .

ومن الجدير بالذكر أن الصين قلقة أيضًا من هذا السيناريو ولا تستبعده تمامًا، فقد أعرب بعض الأطباء الصينيين عن قلقهم من انتشار موجة ثانية من الفيروس، خاصة في مدن مثل بكين وشنغهاي وكوانزو، التي لديها اتصالات دولية بشكل دائم، وأنه من غير المستبعد أن يؤدي الوافدون من الخارج إلى انتشار الوباء مرة أخرى في البلد .

2- انتشار محدود للفيروس: ويعزز هذا السيناريو ثلاثة مؤشرات رئيسية؛ المؤشر الأول هو بيانات مفوضية الصحة الوطنية الصينية التي تؤكد أن الحالات الجديدة المكتشفة هي في الغالب لوافدين من الخارج وليس من المقيمين في الصين، ما يعني أنه بالفعل تمت محاصرة المرض في الصين.

ويتمثل المؤشر الثاني في إدراك القيادة السياسية الصينية أنها لم تنتصر على الفيروس بشكل كامل، إذ حذر رئيس مجلس الدولة الصيني من أنه "في حين تم إيقاف الوباء في هوبي ووهان بشكل أساسي، مازالت هناك مخاطر تفشٍّ متفرقة"، ما يعني أن الصين قد تخفف من إجراءات العزل والغلق التام لكنها لن تخفف من إجراءات الفحص الطبي الدقيق للوافدين عليها، ما سيُقلل من انتشار موجة ثانية من الفيروس. أما المؤشر الثالث فهو متعلق بالخوف والقلق الذي مازال ينتاب بعض المواطنين الصينيين حيال التنقل والسفر داخل الصين، ما سيقلل حركة التنقلات، وبالتالي قد يقلل احتمالية نشر الفيروس.

وخلص مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة إلى أنه بدون التوصل إلى لقاح فلا يمكن القول إن الصين أو أي دولة ستكون بمأمن من انتشار الفيروس، أو تستطيع السيطرة عليه بشكل كامل؛ فكل ما يمكن فعله في هذه المرحلة هو إبطاء وتيرة انتشار الفيروس وليس القضاء عليه نهائيًّا.

هسبريس من الرباط

إرسال تعليق

0 تعليقات